قيادة التغيير نموذج الراكب والفيل والمسار
قيادة التغيير نموذج الراكب والفيل والمسار
يتم وضع خطط جيدة للتغيير , لكن لا يتغير شيئاً وغالباً ما يُلقى اللوم على ضعف قدرات الأشخاص أو غياب إرادة التغيير لديهم ويتم اتهامهم بالتقصير والإهمال وعدم الفعالية .
لكن أياً من هذه الأسباب ليس صحيحاً بالضرورة . قد تكون هناك أسباب أخرى مختلفة تماماً وراء القصور في تحقيق التغيير . تناول دان وتشيب هيث في كتابهما Switch هذه المسألة وقدما نموذجا مفيداً لتعامل الأشخاص مع التغيير وقاما بتشبيه الموقف براكب يحاول توجيه فيل للتحرك من مكان إلى مكان آخر ابعد على مسار جديد وغير مألوف . يقصد بالراكب في هذا النموذج العقل . ويقصد بالفيل العاطفة , بينما يقصد بالمسار تمهيد الطريق وتهيئة البيئة والظروف الملائمة .
قم بتوجيه الراكب . التشبيه بالراكب هنا يتعلق بالتعامل مع جانب العقل للشخص . فإذا كان الراكب على الفيل لا يعرف إلى أين سيذهب
سيظل يدور بالفيل لا يعرف إلى أين سيذهب , سيظل يدور بالفيل في دائرة مغلقة ويعود لنفس النقطة باستمرار وبالتالي لن يصل للوجهة المطلوبة . فما نراه من مقاومة للتغيير لدى بعض الأشخاص يكون عادة بسبب عدم الوضوح . فالتغيير أسهل عندما يكون هناك وضوحا . لتوجيه الراكب يجب أن تكون الرؤية واضحة ويتضمن ذلك توضيح أين سيذهب وسبب الذهاب للوجهة المقصودة ومتى يتوقع منه ان يصل وما مقدار المسافة التي يجب ان يقطعها مع تزويده بالإجراءات التي يجب اتباعها ووضع إشارات على طول الطريق لا رشاده للطريق الصحيح ولكيلا يتوه عن الوجهة المقصودة . وبغض النظر عن تعقيد وصعوبة بعض رحلات التغيير , هناك دائماً بعض النقاط المضيئة وهي محطات طمأنة على طول الطريق تشير بأن الأمور تسير على ما يرام , لذلك من المهم توجيه الراكب للعثور على هذه النقاط المضيئة وللبناء على النجاحات والاستمرار في الإنجاز , فعندما يصل إلى نقطة مضيئة يجب تذكيره بذلك والثناء على جهوده وطمأنته أن التغيير ممكنا واقرب من أي وقت مضى .
حفز الفيل . استعمال تشبيه الفيل هنا هو للتعبير عن العاطفة , فالمعرفة لا تكفي للتعامل مع الفيل . الفيل لن يتحرك إلى الوجهة المطلوبة فقط لكون الراكب يعرف الوجهة . وقد يبدو ان الراكب يمسك بزمام الأمور ويبدو أنه القائد والموجه . إلا أن هذا الأمر محفوف بالمخاطر , حيث لا يتناسب وزن الراكب مع فيل وزنه 6 أطنان , وإذا اختلف الراكب بالتأكيد هو الخاسر . الفيل لا يفهم لغة البيانات والارشادات والتوضيح الذي استعمل مع الراكب الفيل يتحرك الى الوجهة المطلوبة فقط إذا كان محفزا بشكل جيد . ولا يجب ان يساء الفهم هنا أن الراكب " جيد " وأن الفيل " سيء " وأننا بحاجة إلى كبح جماح العواطف او اخمادها لإتاحة المجال للعقل . العاطفة هي التي تزودنا بالقوة والحماس والدافع والطموح والرغبة في الإنجاز . لذا بدلاً من محاولة إلى العاطفة حتى يتمكن العقل من القيام بعمله . يجب أن يتقارب العقل والعاطفة في رغبتهم في نفس الشيء . من المهم اقتران جانب العقل والعاطفة في التعامل مع الأشخاص , فلو تحدثنا مع شخص بالإرشادات والأسباب والبيانات فقد يفهم ما نريده ويفهم فائدة ذلك لكن لن يكون محفزا للتعامل مع صعوبات التغيير والتحديات المحفوفة به . في نفس الوقت لو تحدثنا مع شخص بشكل تحفيزي وحماسي فقد نخلق لديه الرغبة في الإنجاز لكن يدون وضوح المهمة والاهداف . لذلك لابد من مخاطبة العقل والعاطفة في نفس الوقت .
أحيانا التغيير بشكله الكامل يخيف الفيل , فينصح هنا بتقليص التغيير او تقسيمه على مراحل مع تحقيق أهداف صغيرة منتظمة باستمرار , واجعل التعليمات والارشادات بسيطة . أحرص على تلقي الأشخاص للحوافز الصحيحة مثل الإشادة بالإنجاز والمكافآت والتدريب والتطوير الوظيفي . وتذكر أن السلوك معدي , لذلك حاول أن تحيط الأشخاص بآخرين محفزين ومنجزين وايجابيين .
مهد المسار . حتى لو كان الراكب والفيل في توافق تام وكان لهما نفس الهدف النهائي , لن يكون الامر سهلا اذا كانت الطريق غير ممهدة واذا كان بها كثير من العراقيل واذا كانت بيئة المؤسسة غير متوافقة مع متطلبات التغيير . فالفيل لن يتحرك للأمام في طريق مليئة بالأحجار الضخمة او الحفر العميقة أو شديدة الانحدار صعودا او نزولا . والراكب أيضاً سيشعر بالخطر في مثل هذا الطريق. نحتاج دائما الى تمهيد الطريق وتهيئة وتعديل البيئة المحيطة قبل واثناء الانطلاق في الرحلة لكيلا تكون الرحلة شاقة ومتعبة ولتسهيل حركة الفيل وحفاظا على سلامة الراكب وبالتالي تسهيل الوصول الى الوجهة
د. ناصر الدين ظافر المدني
استشاري التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي والتميز المؤسسي وإدارة الأداء
تعليقات