تصميم الحياة بين المعنى والابتكار الشخصي
تصميم الحياه بين المعنى والابتكار الشخصي
في زمن تتسارع فيه التحديات ويكثر فيه الضجيج , يبرز " تصميم الحياة " كدعوة للعودة إلى الذات , لا بوصفها عزلة فردية , بل كبوصلة تساعد الإنسان على فهم دوره , ومساهمته , والمغرى من وجوده .
يقدم غياث هواري , من خلال مقاله في مجلة الابتكار الاجتماعي , إطاراً متكاملاً لهذا المفهوم , داعياً إلى خوض تجربة " مختبرات الحياة " كأداة لفهم الذات وإعادة الحياة بشكل مرن , واعٍ وإنساني .
أنت أصل الحكاية :
يشدد هواري على أن " جوهر عملية تصميم الحياة هو أنت " في دعوة صريحة للتفكر في الذات كمنطلق لكل تخطيط أو مبادرة . فبدلاً من اللهاث خلف أهداف الآخرين , يبدأ الإنسان بسؤال نفسه : ماهي المساهمة التي أرغب في تقديمها ؟ ما مواردي ؟ ما أدواري في الحياة ؟ هذه الأسئلة ليست فلسفية بقدر ماهي عملية , تؤسس لرؤية تتوافق مع قدرات الإنسان وقيمه وبيئته .
التخطيط كعملية حيوية ومتغيرة :
يقدم المقال وصفاً دقيقاً لطبيعة المختبرات الشخصية , ويصفها بأنها " بيئة عمل تعتمد على التجربة الشخصية والسياق الاجتماعي " وهو تعريف يختلف تماماً عن النماذج التخطيطية الجامدة . ففي مختبرات تصميم الحياة , يُسمح بتعديل الأهداف , وإعادة تقييم الخيارات , وتلقي التغذية الراجعة , كل ذلك ضمن سياق ديناميكي يعترف بأن الحياة لا تسير في خط مستقيم , بل في مسار دائم التشكل .
القيم والمبادئ ... حجر الأساس :
يربط هواري بين التصميم الناجح والمبادئ الراسخة , مثل العدل , الصدق , والاحترام , ويشير إلى أن هذه القيم " كونية لا تتغير " وهي بمثابة القوانين الطبيعية التي يجب أن تبنى عليها اختيارات الإنسان في الحياة . فالتصميم الناجح لا يعني التكيّف مع الثقافات السائدة فحسب , بل أن يعيش الإنسان وفق ما يؤمن به , لا ما يفرض عليه .
حرية الاختيار ... مسؤولية وليست رفاهية :
يرى الكاتب أن أعظم ما يملكه الإنسان هو حرية الاختيار , وهي سيف ذو حدّين: تمنحه الأمل من جهة , لكنها تحمله المسؤولية من جهة أخرى . فالاختباء خلف الأعذار لم يعد ممكناً في عالم تدعوك فيه مختبرات الحياة لتكون قائداً لا تابعاً .
يقول :" قدراتنا لا تظهر حقيقتنا دائماً , بل خياراتنا هي التي تظهرنا "
التسليم كقود داخلية لا ضعف :
وفي لمسة إنسانية عميقة , ينهي الكاتب مقاله بالتأكيد على قيمة " التسليم " لا كاستسلام , بل كفهم واع لطبيعة الحياة المتقلبة . فالإنسان يفر من قدر إلى قدر _ من الجهل إلى العلم . من الفقر إلى الغنى _ في رحلة مستمرة من المحاولة , تحيطها قناعة بأن الخير في كل ما يحدث , حتى وإن بدا قاسياً أو غير مفهوم .
"إن جوهر عملية تصميم الإنسان للحياة هو الخوص في عملية مدافعة مستمرة للأقدار " غياث هواري
ختاما :
إن ما يطرحه غياث هواري في مقاله لا يقتصر على كونه فلسفة حياة , بل هو إطار عملي , يجمع بين التفكير العميق , والتجريب , والاستجابة المتزنة لتقلبات الحياة . إنها دعوة للعيش بوعي , وتحويل الحياة من مشروع صدفة إلى مشروع تصميم .
تعليقات